جنين- السلطة بين رهان خائب وشهادة حسن سلوك مشروطة

الأحداث المتصاعدة في جنين ومخيمها، وما يصاحبها من دلالات عميقة وفي توقيت بالغ الحساسية، تشير بوضوح إلى أننا أمام منعطف حاسم، أمام تحول نوعي في مسار التكيف القسري مع نتائج "الحل" الإسرائيلي للقضية الفلسطينية. وهو المسار الذي يبدو أن السلطة في رام الله لم تحِد عنه قيد أنملة طوال الخمسة عشر عامًا الماضية. هذا المسار، الذي بدأ متدرجًا وإن كان يسير في اتجاه واحد لا رجعة فيه، وصل اليوم إلى نقطة تحول جذرية، تستلزم من السلطة أن تثبت بالأفعال الملموسة، لا بالأقوال المعسولة، إلى أي جانب تنتمي، ولمن تصطف، وكيف استوعبت دروس ونتائج الحرب الشعواء التي طالت غزة، والتي أتت على الأخضر واليابس في القطاع وأطراف الضفة الغربية.
عند التأمل مليًا في مجريات "الحملة الأمنية" الفلسطينية في جنين ومخيمها، تلك المدينة التي ترسخت في الذاكرة الوطنية الفلسطينية، على مدار ربع القرن الأخير على الأقل، كرمز للمقاومة الباسلة في وجه الاحتلال، وبالنظر إلى تصديها الأسطوري للحملات البربرية المتلاحقة، تتبلور أمامنا ثلاث وجهات نظر رئيسية في التفكير السياسي الفلسطيني السائد:
- الوجهة الأولى: وتمثلها السلطة الفلسطينية قولًا وفعلًا هذه المرة، وتتلخص في أننا أمام تفاقم خطير لظاهرة "فلتان الأمن والسلاح"، وأن العناصر المتحصنة في جنين وضواحيها ليسوا مقاومين، بل مجرد ميليشيات خارجة عن القانون، مدفوعة في أغلب الأحيان بأجندات خارجية مشبوهة، تنفذ أوامر تأتي من عواصم أجنبية، لا يتم ذكرها صراحة، ولكن لا يخفى على ذي بصيرة أنها إيران وحلفاؤها.
وفقًا لهذا المنظور، يبدو ما جرى بمثابة استعراض مفتعل لبسط "السيادة" من قبل سلطة فاقدة للسيادة، حتى على "عاصمتها المؤقتة"، ناهيك عن أطراف ولايتها المنقوصة في شمال الضفة وجنوبها، خصوصًا بعد أن تجاوزت الانتهاكات اتفاقيات أوسلو، ووصلت إلى حد التعامل مع المنطقتين "أ" و"ب" بنفس القواعد التي تحكم الاحتلال للمنطقة "ج".
- الوجهة الثانية: وتمثلها فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تنظر إلى ما يحدث على أنه "تسديد مسبق" لفواتير واستحقاقات متراكمة، بعضها يتعلق بتقديم أوراق الاعتماد اللازمة لإدارة ترامب العائدة بقوة إلى البيت الأبيض والكونغرس بمجلسيه.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المقاومة أن هذه الحملة محاولة يائسة لاجتياز "امتحان الجدارة" لإدارة "اليوم التالي" في غزة. بل إن بعض القوى والشخصيات المنتمية إلى المقاومة والمعارضة تذهب إلى حد افتراض "التطابق التام" بين حملة السلطة وحملات الاحتلال الإسرائيلي على جنين والمخيم والمقاومة، وكأن السلطة بما تفعله إنما تستكمل ما بدأه الاحتلال في شمال الضفة، وتعثر في تحقيق أهدافه، وذلك بشكل متوازٍ ومتزامن مع الحرب الكارثية التي تشن على القطاع المنكوب.
الوجهة الثالثة: وتمثل وجهة نظر فريق محدود التأثير من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين، الذين ينظرون إلى المعركة الدائرة في محيط جنين والمخيم، على أنها محاولة ناقصة الحصافة لتفادي أسوأ السيناريوهات الصهيونية المعدة للضفة الغربية بأرضها وسكانها ومقدساتها، ويرون أن السلطة تكشر عن أنيابها في هذه المرحلة بدافع الخشية من مخططات "التهجير"، وإعادة إنتاج سيناريو غزة المأساوي في الضفة الغربية.
ويرى بعض هؤلاء أن الطريقة التي أدارت بها السلطة ما تسميه "معركة استعادة جنين" كانت سيئة للغاية، اتسمت بالاضطراب والارتباك الشديدين، فيما يرى البعض الآخر أنه لا مفر مما ليس منه بد.
الرهان الخائب ذاته
من خلال بعض التسريبات، يتبين لنا أننا أمام سيناريو "المزيد من الشيء ذاته"، فما تفعله السلطة اليوم، كامتداد لفلسفة ما بعد الانتفاضة الثانية وما بعد رحيل ياسر عرفات، ينتمي إلى مدرسة تكن للمقاومة، وخاصة المسلحة منها، عداءً أيديولوجيًا راسخًا، لم تؤثر في صلابته تطورات الزمان، وتعاقب الأحداث والزلازل التي عصفت بساحات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وكأننا نشاهد فصلًا جديدًا من فصول "الإنسان الفلسطيني الجديد"، الذي يجمع بين "تعاليم" الجنرال كيت دايتون ومواعظ مجرم الحرب على العراق توني بلير. تلك النظرية التي تلقت ضربة قاصمة بخروج "جيل الألفية" أو "Generation Z"، الذي ملأ ساحات القدس وسلوان والشيخ جراح، وحمل السلاح في مختلف المخيمات والمدن، وأعاد بفعله المقاوم وضع مدن وبلدات منسية على خريطة المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية الممتدة لأكثر من قرن من الزمان.
ويبدو أن الضربة التي لم تقتل "نظرية الإنسان الجديد" قد أحيتها، بل وأبقتها "رهن الطلب" عند كل تطور أو حاجة. ولمن لا يعرف شيئًا عن مضمون هذه النظرية، نختزلها بالقول إنها عقيدة أمنية ابتدعها جنرال أميركي متقاعد، ويسهر على ترجمتها جنرال آخر هو مايكل فينزل، ولا يوجد فيها أي مكان لمفهوم المقاومة، فكل مقاوم هو إرهابي بالضرورة، وأن إسرائيل ليست العدو، بل هو الإرهاب الذي يهددها ويهدد السلطة، وأن "جيش الدفاع" الإسرائيلي وأذرعه الأمنية هم "حليف استراتيجي" للسلطة، وهي تعمل على إنجاز مشروعها، الذي لا يتطابق بالضرورة مع المشروع الوطني للشعب الفلسطيني.
هذا هو الإطار الاستراتيجي العام الذي حكم سلوك السلطة الفلسطينية من قبل ومن بعد، وهذه هي الأرضية المشتركة التي أضفت على "التنسيق الأمني" هالة من القداسة، والتعبير عن مصالح السلطة وليس مصالح خصومها. وتحت هذه المظلة فقط يمكن تفسير هذه "القسوة" التي بلغت حد "الوحشية" في التعامل مع المقاومين وفصائلهم أو "ميليشياتهم وعصاباتهم" وفقًا لقاموس السلطة، والتي لا يمكن أبدًا إدراجها في سياق "التجاوزات الفردية"، ولا يمكن أخذ حكاية "التحقيق ولجانه" على محمل الجد، فكلما ازداد الحديث عن تشكيلها، ازدادت الحقيقة ضياعًا.
في التوقيت ودلالته
هناك قراءة لدى البعض في السلطة الفلسطينية، ترى أن المشهد الإقليمي والدولي يشهد تحولات كبيرة، تستوجب ضرورة البحث عن "مكان تحت الشمس" للفلسطينيين في ثنايا هذه التحولات وسياقاتها. إذ يعتقدون أن طوفان الأقصى قد أضر بمحور المقاومة وأضعفه بشكل ملحوظ في غزة ولبنان وسوريا وإيران، وإن لم يقض عليه بالضربة القاضية، كما في لغة الملاكمة والمصارعة، وأن المقاومة في فلسطين، وخاصة "الجهاد الإسلامي"، لم تعد تحظى بأي دعم أو غطاء، وأن الوقت الحالي هو الأنسب لإعادتها إلى "قمقم" السلطة والتنسيق الأمني.
وعلى بعد أسابيع قليلة، سيأتي من ولاية فلوريدا البعيدة، رجل يسعى لحل جميع مشاكل العالم بضربة سحرية بمجرد أن تطأ قدماه عتبات البيت الأبيض، وأن هذا الرجل لا يكن أي ود للفلسطينيين، لا للسلطة ولا للمقاومة، وأنه من الأفضل للفلسطينيين الانحناء أمام عاصفته العاتية بدلًا من المقامرة بالانكسار أمام قوته.
فالسلطة الفلسطينية بصدد تقديم أوراق اعتمادها للإدارة الأمريكية الجديدة، أو بالأحرى لـ"مجاهيل" هذه الإدارة، التي كانت سخية للغاية مع اليمين الإسرائيلي، وأغدقت عليه بسخاء من أموال القدس والجولان، وأهدته "صفقة القرن" ومسارًا أبراهيميًا مدمرًا. وهي تنوي، وفقًا لمختلف القراءات، زيادة تقدماتها من أموال الفلسطينيين؛ لإشباع شهية اليمين الفاشي الذي لا يتوقف عن المطالبة بالمزيد.
وتأتي الحملة على جنين في ذروة نقاش وخلاف محتدم يدور في القاهرة حول "اليوم التالي" والإسناد المجتمعي لغزة، في ظل موافقة المقاومة وتحفظ السلطة التي تخشى التهميش وإعادة إنتاج السيناريو الذي انغمس فيه بعض من رموزها قبل عقدين من الزمن، وكان الهدف منه في حينه تهميش ياسر عرفات وتقويض نفوذه وصلاحياته، قبل أن تدور الدوائر ويطلب من هذا النفر ذاته أن يشرب من ذات كأس التهميش.
إنه اختبار جدارة تسعى السلطة الفلسطينية لاجتيازه، حتى وإن تلطخ ذلك بدماء مقاومين ومدنيين وصحفيين، فالمسألة لا تحتمل الانتظار، وسط قناعة راسخة بأن القادم إلى البيت الأبيض "لا يمزح"، وأن الحرب على غزة قد تضع أوزارها في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، وقد سئمت السلطة الفلسطينية من سؤال الموفدين المتكرر: إذا كنتم عاجزين عن بسط الحكم والسيطرة على المنطقتين "أ" و"ب" في الضفة الغربية، فكيف نثق بقدرتكم على إحكام القبضة على "غابة السلاح والأنفاق" في قطاع غزة؟
للسلطة رهانها الخائب على نحو متكرر، من دون أن تتوقف ولو للحظة للتفكير في فرص تغيير المسار واستبدال الرهانات، فكل ما تفعله هو الهبوط المتكرر بسقف الأهداف والطموحات والمشروع الوطني، حتى وإن ظلت لفظيًا تتشبث بالشعارات القديمة ذاتها، فلا رابط من أي نوع بين ترديد الشعارات القديمة وبين الإعداد لاستراتيجية وطنية بديلة لمواجهة استحقاقات مرحلة استراتيجية جديدة يخوض غمارها الشعب الفلسطيني.
والمؤسف أن السلطة الفلسطينية بما تفعله وتقوم به تعتقد أنها ستنجو وستحصل على "شهادة حسن سير وسلوك" من تل أبيب وواشنطن بالطبع، وليس من شعبها، حتى وإن كان ذلك على حساب أهداف ومرامي مشروعها الوطني الذي قامت من أجله، ولكن في المقابل ستتلقى ضربتين موجعتين حتى وهي في ذروة حملة "تطويع" جنين ومخيمها:
- أولاهما: ما تردد عن طلب عواصم عربية وازنة من إدارة ترامب العمل على التخلص من الرئيس محمود عباس، الذي يبدو أنه لا حول له ولا قوة ويأبى المغادرة والرحيل الطوعي في زمن التغيير السريع والحاسم لأنظمة أكثر استقرارًا سبق لها أن ورثت النظام الجمهوري في دمشق.
- أما الضربة الثانية: فتتمثل في رفض نتنياهو وفريقه الأكثر تطرفًا الاستجابة لطلب أميركي بتزويد أجهزة السلطة بأسلحة رشاشة فردية بذخائر متواضعة وكمية من السيارات المصفحة تقيها رصاص وحجارة المقاومين وحاضنتهم الاجتماعية في جنين.
فنتنياهو وفريقه لا يثقان بالسلطة الفلسطينية، حتى وإن "أشعلت أصابعها العشرة كالشمع"، فما يخططون له في الضفة الغربية لا يلحظ وجود سلطة قوية، وكل ما يمكن أن تجود به القريحة الإسرائيلية هو جهاز أمني ملحق بالشاباك أو كتيبة جديدة من "المستعربين" من أصحاب البشرة الفلسطينية، هذا هو سقف المشروع الإسرائيلي الأعلى، أما حده الأدنى فهو العودة إلى روابط القرى في طبعة جديدة غير منقحة وغير مزيدة تحت اسم روابط المدن.
كان الأجدر بالسلطة الفلسطينية أن تلجأ إلى الحل السياسي عبر الحوار للتعامل مع ظاهرة جنين وشمال الضفة الغربية، وكان يتعين عليها تجريب خيارات أخرى غير تجييش الحملات الأمنية، وكان يمكن لمنطق "المعتدلين" القائل بسحب الذرائع أن يشق طريقه، خاصة أن أحدًا لا يريد لجنين والضفة الغربية أن يلقيا مصيرًا مماثلًا لغزة في ظل ظرف إقليمي غير مواتٍ، لكنها اختارت طريقًا يضمن الإقصاء بدلًا من الشراكة في صنع القرارات والسياسات والتفاهمات.
ويبدو أن السلطة لن تتخلى عن رهان الخائبين ولن تكف عن مطاردة خيوط الدخان المبثوثة في ثنايا "حل الدولتين" والوعد بمسار "لا رجعة فيه" وطريق "ذي مغزى"، إلى آخر ما هنالك من تعابير ومصطلحات اختلقت بعناية للتخلي والتراجع عن مبادرة بيروت العربية للسلام مع إسرائيل.. سؤال أحسب أنه يستبطن جوابًا.
المصالحة والممثل الوحيد
المقاومة الفلسطينية في وضع صعب ومعقد في المقابل، فهي في غزة تكابد تحت وطأة الكارثة الإنسانية والحرب التي طالت واستطالت، وتوقف معظم جبهات الإسناد إلا اليمنية منها، والتغيرات الجيوسياسية العاصفة في الإقليم بدءًا من دمشق.
وفي الضفة الغربية لا ترغب المقاومة في الانزلاق إلى أتون صراع داخلي مسلح، فيما الاحتلال جاثم على صدور الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، يتربص بالفرصة للانقضاض على الجميع ويعمل مثل "محراك الشر" لزرع الفتن والصراعات الداخلية متعددة الطبقات والأطراف.
والمقاومة التي وضعت من بين أهداف طوفان الأقصى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بتجاوز الثنائية القاتلة: "شرعية بلا شعبية ومقاومة شعبية بلا شرعية"، تجد نفسها بعد خمسة عشر شهرًا من القتال والصمود والثبات وسيل لم ينقطع من التضحيات، أبعد ما تكون عن تحقيق هذا الهدف من أي مرحلة مضت، في ظل إصرار رئاسي مدعوم غربيًا وعربيًا على إقصاء فصائلها عن مؤسسات السلطة والمنظمة "الشرعية"، وتحت تهديد سيف إسرائيلي مسلط على عنق "المقاطعة".
لم يبق طرف فلسطيني أو عربي أو دولي إلا وتدخل لاستعادة المصالحة والوحدة دون جدوى، ولم تكف حرب التطويق والتطهير والإبادة ولا الزحف الاستيطاني وعمليات الأسرلة والتهويد في القدس والضفة لإقناع السلطة بفتح أبوابها وأبواب المنظمة لمن هم خارجها أو من ينوبون عنهم من شخصيات ترتدي البذلات وربطات العنق والقمصان المنشأة من فنيين وتكنوقراط وبيروقراط.
في ظني، وليس كل الظن إثمًا، أن تطورات طوفان الأقصى وما رافقه من أداء مؤسف للسلطة والرئاسة والمنظمة، وفي ظل انسداد مسارات المصالحة والحوار بعد عقدين من انطلاقها وبالأخص بعد الحملة على جنين ومخيمها، توجب الكف عن بيع أوهام المصالحة واستعادة الوحدة، فتعنت السلطة لا يماثله سوى تعنت أنظمة سادت ثم بادت، وبدلًا من أن تكون جزءًا من الحل بات الحل مشروطًا برحيلها.
لقد آن الأوان للتفكير من خارج الصندوق والبحث عن صيغة لاسترداد المنظمة وإعادة بنائها من جديد، فكل حديث عن إصلاح وبعث بات هراءً مملًا بعد أن انقضى على أولى جولاته أكثر من أربعين عامًا وهو زمن الانشقاق الأول في دمشق.
ولا يعني ذلك إغلاق الباب بإحكام في وجه محاولات موضعية للعمل المشترك أقله من باب درء المفاسد وتفادي الفتن ما ظهر منها وما بطن، فذلك أمر متروك للميدان واللحظة السياسية والتطورات على الأرض، بخلاف ذلك يتعين على القوى الحية في الشعب الفلسطيني من داخل الفصائل وبالأخص من خارجها شق طريق استراتيجي جديد لا يرهن المستقبل بأيدي من ارتضى البقاء في ماضي الأوهام والرهانات الخائبة المجربة.
وفي ظني كذلك أن زمن انتظار "يقظة فتح" قد ولى، ولا يتعين بعد الآن الرهان على انبثاق قاطرة التغيير من رحم "العمود الذي كان فقريًا" للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
فقد جرت مياه كثيرة منذ أوسلو حتى اليوم، وديناميات العلاقة بين جموع فتح والسلطة تشير إلى أن الكتلة الرئيسة منها سرعان ما ستنحاز إلى أسوأ خيارات السلطة عند اللحظات الفاصلة، ومن كان لديه شك في ذلك فليراقب أداء الحركة طيلة أشهر الطوفان والإبادة، وبالأخص خروجها اللافت انتصارًا للحملة الأمنية على جنين وجوارها.
وإذا كان ثمة إجماع فلسطيني على أن السلطة قد ابتلعت المنظمة، فإن إجماعًا مماثلًا يأخذ طريقه للتشكل بأن السلطة ابتلعت فتح كذلك، إما بشراء صوتها أو ضمان صمتها، إلا من رحم ربي من كوادر ومناضلين منتشرين على امتداد الوجود الفلسطيني في الوطن والشتات من دون مركز يجمعهم أو قيادة تؤطرهم ومن دون قدرة على التأثير في مسار المواقف والسياسات المتبعة.
إنها لحظة فارقة بامتياز يتداخل فيها الداخلي الفلسطيني بالداخلي الإسرائيلي بالتطورات العاصفة في الإقليم من حولنا بالمشهد الدولي الذي ينتظر لحظة فارقة كذلك في العشرين من يناير/ كانون الثاني القادم، وثمة حاجة لإعمال العقل والتفكير فيما نحن فاعلون.